فصل: فتنة أسد الدين مع شاور وحصاره.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.وفاة الفائز وولاية العاضد.

ثم توفي الفائز بنصر الله أبو القاسم عيسى بن الظافر إسمعيل سنة خمس وخمسين لست سنين من خلافته فجاء الصالح بن رزيك إلى القصر وطلب الخدام بإحضار أبناء الخلفاء ليختار منهم وعدل عن كبرائهم إلى صغرائهم لمكان استبداده فوقع اختياره على أبي محمد عبد الله بن يوسف قتيل عباس فبايع له بالخلافة وهو غلام ولقبه العاضد لدين الله وزوجه إبنته وجهزها بما لم يسمع مثله.

.مقتل الصالح بن رزيك وولاية ابنه رزيك.

ولما استفحل أمر الصالح وعظم استبداده بجباية الأموال والتصرف وحجر العاضد تنكر له الحرم ودس إلى الأمراء بقتله وتولت كبر ذلك عمة العاضد الصغرى التي كانت كافلة الفائز بعد أختها واجتمع قوم من القواد والسودان منهم الريفي الخادم وابن الداعي والأمير بن قوام الدولة وكان صاحب الباب وتواطؤا على قتله ووقفوا في دهليز القصر وأخرج ابن قوام الدولة الناس أمامه وهو خارج من القصر واستوقفه عنبر الريفي يحادثه وتقدم ابنه رزيك فوثب عليه جماعة منهم وجرحوه وضرب ابن الداعي الصالح فأثبته وحمل إلى داره فبقي يجود بنفسه يومه ذلك وإذا أفاق يقول رحمك الله يا عباس ومات من الغد وبعث إلى العاضد يعاتبه على ذلك فحلف على البراءة من ذلك ونسبه إن العمة وأحضر ابنه رزيك وولاه الوزارة مكان أبيه ولقبه العادل فأذن له في الأخذ بثأره فقتل العمة وابن قوام الدولة والأستاذ عنبر الريفي وقام بحمل الدولة وأشير عليه بصرف شاور من قوص وقد كان أبوه أوصاه ببقائه وقال له: قد ندمت على ولايته ولم يمكني عزله فصرفه وولى مكانه الأمير بن الرفعة فاضطرب شاور وخرج إن طريق الواحات وجمع وقصد القاهرة وجاء الخبر إلى رزيك فعجز عن لقائه وخرج في جماعة من غلمانه بعدة أحمال من المال والثياب والجوهر وانتهى إلى طفيحة واعترضه ابن النضر وقبض عليه وجاء به إلى شاور فاعتقله واعتقل معه أخاه فأراد الهرب من محبسه فوشى به أخوه فقتل لسنة من ولايته ولتسع سنين من ولاية أبيه.

.وزارة شاور ثم الضرغام من بعده.

ودخل شاور القاهرة سنة ثمان وخمسين ونزل بدار سعيد السعداء ومعه ولده طين وشجاع والطازي وولاه العاضد الوزارة ولقبه أمير الجيوش وأمكنه من أموال بني رزيك فاستصفى معظمها وزاد أهل الرواتب والجرايات عشرة أمثالها واحتجب عن الناس وكان الصالح بن رزيك قد أنشأ في لواته أمراء يسمون البرقية وكان مقدمهم الضرغام وكان صاحب الباب فنازع شاور في الوزارة لتسعة أشهر من ولايته وثار عليه وأخرجه من القاهرة فلحق بالشام وقتل ولده عليا وكثيرا من أمراء المصريين حتى ضعفت الدولة وخلت من الأعيان وأدى ذلك إلى خرابها.

.مسير شيركوه وعساكر نور الدين إلى مصر مع شاور.

ولما لحق شاور إلى الشام نزل على الملك العادل نور الدين بدمشق صريخا وشرط له ثلث الجباية على أن يقيم له العساكر وجهز نور الدين شيركوه وكان مقدما في دولته ويذكر سبب اتصاله به في موضعه فساروا في جمادى الآخرة سنة تسع وخمسين وقد تقدم نور الدين إلى أسد الدين شيركوه بأن يعيد شاور إلى وزارته وينتقم له ممن نازعه وسار نور الدين بعساكره إلى طرف بلاد الفرنج ليمنعهم من اعتراض أسد الدين إن هموا به ولما وصل أسد الدين وشاور إلى بلبيس لقيهم ناصر الدين همام وفخر الدين همام أخو الضرغام في عساكر مصر فهزموه ورجع إلى القاهرة وقتل رفقاؤه الأمراء البرقية الذين أغروه بشاور ودخل أسد الدين القاهرة ومعه أخو الضرغام أسيرا وفر الضرغام فقتل بالجسر عند مشهد السيدة نفيسة وقتل أخواه وعاد شاور إلى وزارته وتمكن منها ثم نكث عهده مع أسد الدين وسلطانه وصرفه إن الشام.

.فتنة أسد الدين مع شاور وحصاره.

ولما رجع أسد الدين من مصر إلى الشام أقام بها في خدمة نور الدين ثم استأذن نور الدين العادل سنة اثنتين وستين في العود إلى مصر فأذن له وجهزه في العساكر وسار إلى مصر ونازل بلاد الفرنج في طريقه ثم وصل إلى أطفيح من ديار مصر وعبر النيل إلى الجانب الغربي ونزل الجيزة وتصرف في البلاد الغربية نيفا وخمسين واستمد شاور الفرنج وجاء بهم إلى مصر وخرج معهم للقاء أسد الدين شيركوه فأدركوه بالصعيد فرجع للقائهم على رهب لكثرة عددهم وصدقهم القتال فهزمهم على قلة من معه فإنهم لم يبلغوا ألفي فارس ثم سار إلى الإسكندرية وهو يجبي الأموال في طريقه إلى أن وصلها فاستأمن أهلها وملكها وولى عليها صلاح الدين يوسف بن أخيه نجم الدين أيوب ورجع إلى جباية الصعيد واجتمعت عساكر مصر والفرنج على القاهرة وأزاحوا عليهم وساروا إن الإسكندرية وحاصروا بها صلاح الدين فسار أسد الدين إليهم من الصعيد ثم خذله بعض من معه من التركمان بمداخلة شاور وبعثوا له إثر ذلك في الصلح فصالحهم ورد إليهم الإسكندرية ورجع إلى دمشق فدخلها آخر ذي القعدة من سنة اثنتين وستين واستطال الفرنج على أهل مصر وشرطوا عليهم أن ينزلوا بالقاهرة وشحنة وأن تكون أبوابها بأيديهم لئلا تدخل عساكر نور الدين وقرر ضريبة يحملها كل سنة فأجابه إلى ذلك.